قد نعجب لما تفعله لنا أقدارنا
و لكن العجب حقًا هو ما تفعله بنا قلوبنا
فها هي نهله الفتاة الرقيقة الحالمة المحبة، تصغي لقلبها و تخشي قدرها
فلنقترب منها لنري ما فعله بها قلبها و ما خبأه لها قدرها
***********
لا حرام عليك اوعي تعمل كده......لأ ... لأ""
رددتها نهله بصرخة و هي تقوم مفزوعة من نومها علي كابوس مزعج عجزت عن التخلص منه في منامها أو حتى في صحوها
فاليوم هو موعد انتهاء المهلة التي حددها لها ذلك الشرير شديد الثراء و المدلل لحد الفساد "سعد" لكي تفكر فيما طلبه منها و تجيبه أما بالرفض أو القبول
أفاقت نهلة من نومها و حثها رعبها من ذلك الكابوس علي البكاء الشديد و هي تسترجع الأحداث التي جرت لها خلال الـ48 ساعة الماضية..
و أخذت تتذكر حديث سعد لها بمكتبها بالجامعة بعد أن دخل عليها دون استئذان قائلا
"ازيك يا نونه"
فرمقته بنظرة كره و احتقار لدخوله هكذا و لم تجبه
فاستطرد قائلا: "خبر مفاجأة, أنا قررت أتجوزك، طالما أنت مش عايزانا نكون أصحاب خلاص نمشيها جواز, حددي ميعاد مع أونكل عشان أجيلكم البيت"
نهله منفعله: "أنت زودتها أوي، أنا اسمي الدكتورة نهله، أنا هنا المعيدة و أنت حتة طالب و فاشل كمان، اللي قدك اتخرجوا من 5 سنين
و للمرة المليون بقولك أنا مابطقش أسمع صوتك ، و مابستحملش أشوف وشك، يا أخي احترم المكان اللي أنت فيه بدل ما أعملك فضيحة دلوقت
سعد: "طب بس... بس... ، حلمك عليا شوية، مش تسمعي باقي كلامي الأول قبل ما تخدك الجلالة أوي كده, و نشوف مين هايعمل فضيحة للتاني"
نهله: "تقصد إيه ، أنا ماعنديش حاجه أخاف منها
سعد: "ولا حتى حبيب القلب أبو العيال ( قالها و هو يخفض صوته و يضحك ضحكه خبيثة)
نهله و قد بدا عليها الارتباك الشديد: "أنت .... بتخرف بتقول إيه؟"
سعد: "يا نونه أنا مابخرفش و عارف كويس إللي بقوله و بالعربي باقصد الدكتور أحمد، مشرف
الماجستير بتاعك"
"نيجي بقي لعرفت إزاي و جبت الكلام ده منين، عشان تعرفي بس إنك غالية عندي هاقولك
سعوده لما لقاكي مطنشاه و مدياه الوش الجبس قلت أفتش وراك، أدور علي أي غلطه و ألففك حوالين نفسك بيها"
ب100جنيه بس أخدهم فراش هنا علي طول نفذ أوامري"
دخل مكتبك و فتشه و جابلي منه شوية ورق و معاهم جوابات إنما إيه تقطع القلب
بس تصدقي ضحكتني أوي، في حد لسه بالعبط ده واحدة عندها 25 سنه و لسه بتكتب جوابات لحبيبها و عليها اسمه و تشيلها في درج المكتب
يا سلاااام ده إيه الرومانسيه الأفلاطونيه دي، طب إحنا ملناش نصيب منها شويه ولاّ إيه
ولاّ أقولك، خليلي أنا حب الكبار بلاش حب الصغيرين" ده ثم رمقها بنظره كثيرا ما تكرهها
فصاحت نهله بانفعال:" أنت قليل الأدب، أخرج بره المكتب دلوقت بدل ما أناديلك الحرس"
سعد: "هاخرج... هاخرج يا نونه بس قبل ما أخرج عايز اقولك حاجه...
أنت هاتوافقي هاتوافقي ... و إلاّ بقي..."
نهله مقاطعه: "أنا ما بتهددش، أنت ما تقدرش تييجي جنبي"
سعد: "و مين قال أن أنا هاجي جنبك، أنت اللي هاتيجيلي و هاتيجي بمزاجك و بفرح و كوشه و معازيم كمان عارفه ليه,
عشان خاطر حبيب القلب، مش هاقولك هاقتله و شغل الأفلام القديمة ده، الموت هايريحه و بعد كام شهر هاتنسيه، ساعتها هاستفاد أنا إيه بقي ؟
لكن هاموّت حد من ولاده، و جواب صغير يعرفه أنك كنت السبب في موته، و شوفي بقي ساعتها إللي إنت بتتمنيه ده هايكرهك أد إيه"
و هاتفضلي متعذبه بكرهه ليكِ و بشكله قدامك و هو بيموت بالبطيء من حزنه علي واحد من ولاده إللي مالوش غيرهم بعد موت مراته
نهله: "مش مصدقاك، مش هاتقدر تعمل كده، الدنيا مش سايبة"
"عندك حق، الدنيا فعلاً مش سايبة، بس كمان العربيات مابترحمش و الناس بتسوق بجنون، مين عارف يمكن واحد سكران يخبط طفل بريئ و هو خارج من المدرسة و هايعترف علي نفسه كمان و كل الحكايه كام ألف بس ولاّ حمام سباحه النادي
، كل شويه نسمع عن طفل غرق جواه و من غير سبب تصدقي دا الحوادث ممكن تبقي كتير أوي
، و برضه هاتبقي الدنيا مش سايبة
دي حادثه بتحصل كل يوم لأي حد
مش كده برضه, حبيبتي خليكي فاكره ان بفلوسي ممكن أعمل أي حاجة"
و عشان أكون فير معاكي هاديكي مهله يومين تفكري و تردي عليا"
يا تلبسي فستان أبيض و بمزاجك يا تلبسي اسود علي روح المرحوم الصغير"
هاجيلك هنا بعد يومين، ممممممممم نقول الساعة 4 بعد العصر كويس ؟"
عشان تكون الكليه هادية شوية سلام يا حبي
ثم خرج و تركها و هي لا تكاد تصدق أسوأ ما سمعته أذناها طوال عمرها
و لم تمضي بعد ذلك إلا بضع دقائق حتى أفاقها من أفكارها صوت طرق باب المكتب الذي كان مفتوحاً و يقف أمامه أحب شخص في العالم إلي قلبها "أحمد"
فدخل و توجه إلي كرسي علي رأس مكتبها و معه بعض الأوراق
و تبدلت ، بمجرد رؤيته ، أفكارها "يا الله .... بتستأذن قبل ما تدخل يا احمد، لو تعرف أد إيه بحبك، كنت عرفت أنك ملكت قلبي من غير ما تستأذن مش مكتبي!!
عملت فيا ايه ، ليه مش شايفه غيرك
ليه مفيش عندي معني تاني لكلمه راجل غير حروف اسمك يا أحمد
معقول أكون أنا السبب في أي لحظة حزن ليك
معقول أتسبب في أذي حد من ولادك اللي روحك فيهم
مش ممكن .... مستحيل
أعمل إيه و أقول لمين ؟
و لا هاقدر أقولك و لا حتي هاقدر أبلغ الشرطه
أقولهم إيه واحد بيهددني أتجوزه يا إما يقتل ابن إللي بحبه
مين هايصدقني ...... مين ؟
و كان دكتور أحمد طوال تلك الفترة يحدد لها بعض النقاط التي تتطلب إيضاح أكثر في الرسالة
و عندما انهي كلامه ترك الأوراق و قال لنهله
"ها يا نهله أظن أنا كده وضحتلك إيه المطلوب
تقدري تخلصيه إمتي عشان نحدد ميعاد المناقشة"
فلم ترد عليه نهله الغارقة في أفكارها
فقال مره أخري : "نهله أنت سمعاني
مالك شكلك مش عاجبني"
نهله : "أسفه يا دكتور أنا مع حضرتك بس حاسه إني تعبانة شوية"
أحمد : "حاسه بإيه .... تحبي أجيبلك دكتور"
نهله : "لأ مافيش داعي دا شوية إرهاق بس
بعد إذن حضرتك نأجل الكلام النهاردة"
احمد : "خلاص خليها بكره"
نهله : "لأ معلش أنا هاخد يومين أجازه عشان أرتاح فيهم"
احمد : "ماشي يا دكتورة، المهم بعدهم تركزي في شغل الرسالة لو خلصت شغلك أنا مروّح أوصل معايا"
نهله : "شكراً يا دكتور مش عايزة أتعب حضرتك"
أحمد : "قومي اسمعي الكلام ما تبقيش عندية"
و أوصلها للبيت و لم تر الشارع من وقتها
***********
و ها قد مر اليومان سريعا و هي لم تقرر بعد بما تجيبه
نفضت نهله عن رأسها تلك الأفكار و نهضت من فراشها و ذهبت لتتوضأ و تصلي ركعتين لله ليفرج كربها الشديد
أنهت صلاتها و دعائها لله و همت بالتقاط المصحف لتقرأ بعض الآيات فما زال الوقت مبكراً علي ذلك الميعاد الشؤم
و قبل أن تبدأ القراءة جاءها اتصال من أحمد و قد اعتاد محادثتها علي الهاتف لمناقشه أمور دراستها
أحمد : "صباح الخير يا نهله، يا رب تكوني النهاردة أحسن"
نهله: " الحمد لله بخير يا دكتور"
أحمد : "طيب إيه رأيك لو تقابليني في النادي أنا و الولاد نكمل شغل و بالمرة تغيري جو"
نهله : "بس أنا عندي معاد مهم في الكلية الساعة4 "
أحمد : "الساعه لسه 10 الصبح يعني بدري أوي علي معادك" و الولاد عندهم تدريب سباحه من 12 لـ.. "3
لما نخلص أوصلك للكلية عشان معادك"
فكرت نهله فوجدتها فرصه لتكون معه و لآخر مره و هي ملك له وحده
نهله : "خلاص يا دكتور أقابل حضرتك هناك إن شاء الله"
تزينت نهله و لبست أجمل ثيابها لمقابلة أحمد و أبناؤه في معادهما و كان له 3 أبناء
مريم و رامي و محمد
خرجت و وصلت في الميعاد و وجدته ينتظرها عند بوابه النادي
قابلها و سلم عليها و توجهوا جميعا لحمام السباحة بالنادي
ذهب رامي و مريم للتدريب و بقي محمد الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره بعد بصحبه والده علي إحدي الطاولات القريبة من حمام السباحة و بالطبع جلست نهله إلي جواره
أطال أحمد النظر لنهله دون كلام مما أربكها ثم قال:
"مش هاتحكيلي مالك؟ يهمني أني أطمن عليك قبل ما نبدأ في الرسالة
ولاّ أنت معتبراني الدكتور بتاعك بس مش زي أخوكي الكبي"ر
نهله بخجل : "معزه حضرتك كبيرة عندي جداً، بس حقيقي مافيش حاجة مضيقاني، زي ما قلت لحضرتك دا مجرد إرهاق"
أحمد : "ما اتعودتش عليك بتكدبي يا نهله"
و قبل ما ترد نهله وجدوا صيحات شديده تأتي من حمام السباحه
و بعضهم يقول أن هناك طفل كاد أن يغرق
فصرخت نهله بشده : رامي ... مريم و توجت راكضه الي الماء
و لحق بها أحمد مسرعا
فوجدوهم بخير و وجدوا الطفل الذي تعرض للغرق أيضا بخير
فلم تتمالك نفسها عند رؤيتهم و انفجرت ببكاء شديد لتذكرها تهديد سعد
فربت احمد علي يدها و قال لها : "ماتخافيش يا نهله الولاد بخير"
لو كانت مامتهم معانا ماكنتش هتخاف عليهم أكتر من كده"
و بعد دقائق من الصمت قال لها : "تقبلي تبقي ام تانيه ليهم يا نهله"
نزل علي سمعها هذا السؤال بمثابة الصاعقة
فلم تدري ما عليها فعله أتستمر في البكاء أم تسمح لسعادتها المحبوسة بداخلها أن تخرج ليراها حبيبها"
و لم يكن منها إلا أن ردت بدون تفكير : "آسفه يا دكتور مش هاقدر"
و اختفت من أمامه راكضه إلي بوابه النادي في بكاء شديد
و عندها فقط قررت نهله أنّ عليها الموافقة علي طلب سعد
فداءا بنفسها لأبناء حبيبها
مشت في الطرقات هائمة لا تدري كم مر عليها من وقت إلي أن وجدت الساعة تقترب من الثالثة و النصف
فتثاقلت عليها الخطوات كأنها تساق إلي الموت
وصلت للجامعة و توجهت لمكتبها و لم تمضي سوي دقائق محدودة حتي دخل عليها أبغض المخلوقات لها علي وجه الأرض
سعد : "نونه وحشتيني، فكرت ولاّ لسه"
نهله : "فكرت، بس إيه اللي يضمن لي اإنك ماتضرش إحمد إو ولاده لو وافقت"
سعد : "و أنا هاستفاد إيه من ضررهم بعد جوازنا ، ولا حاجه"
نهله : "حتي لو عرفت إني لسه بحبه و مش هاحب حد غيره و إني متجوزاك بس عشان تهديدك ليا"
سعد : "أنا ما يهمنيش تحبي مين ولا حتي يهمني أنك تحبيني"
اللي يهمني إنك تكوني بتاعتي، ملكي أنا و بس عشان ماتعودتش اني أعوز حاجه و حد يقولي لأ"
نهله : "أنا موافقه بس بعد مناقشه الرسالة"
سعد : "كنت واثق إن تهديدك بحبيب القلب هايجيب نتيجة"
و هم بمسك يدها
فوجد يد تمنعه و تبعده عنها فإذا به الدكتور أحمد
و من ورائه اثنين من العساكر و ضابط شرطة
توجه الضابط لسعد و قبض عليه قائلاً : "انت مقبوض عليك بتهمه تهديد أنثي و تهديد بالقتل و كل كلامك متسجل بأذن من النيابة و خرج به هو العسكر من المكتب"
لم يكن تعجب سعد مما حدث اكبر من تعجب نهله التي تفاجأت بما حدث و سعدت به لدرجه كادت أن تفقدها وعيها
فاسندها أحمد مسرعًا و قال لها مبتسما
"تقبلي تتجوزيني يا نهله ولاّ لسه برضه مش هاتقدري"
نهله : "أنا مش فاهمه حاجه، إزاي كل ده حصل ؟"
احمد : لما كان سعد عندك من يومين كنت أنا خارج من مكتب د.أمجد و شوفته دخل مكتبك من غير استئذان مع إن الباب كان مقفول
خفت عليك عشان أنا عارف إن الولد ده مش كويس و لما قربت من المكتب سمعت كل كلامكم و طبعا بلغت الشرطة بكل حاجة
و علي أد ما كان نفسي أدخل و أرمي الكلب ده بره, علي أد ما فرحت بالحقيقة اللي عرفتها و بحبك اللي كنت بتمناه لكن شايفه كتير أوي عليا فكنت كاتمه جوه قلبي"
نهله :" بتقول إيه، كتير عليك" !!
أحمد : "واحده صغيرة و جميلة و مؤدبة و بنت ناس محترمة إيه اللي يخليها تتجوز واحد أكبر منها ب12 سنه و أرمل و عنده 3 عيال
كنت رافض إني أصدق أو أوهم نفسي بحبك"
نهله :" أحمد ..... أحمد ....أحمد"و أخذت نهله تردد اسمه الذي طالما حرمت أن تنطقه مجردًا من الألقاب أمامه أو أمام أي مخلوق غيره معلنه أنه لا حرمان لما تريده بعد الآن
********
و ها قد رأينا ما تفعله بنا قلوبنا و ما تخبأه لنا أقدارنا
فلتكن ثقتنا بأقدارنا أكبر من ثقتنا بقلوبنا لأنها إرادة الله لنا و هو وحده العالم بما فيه خيرنا