السبت، 17 سبتمبر 2011

أرض الكرامة (قصة قصيرة )


بدأ صباح يوم جديد نهض محمد من فراشه و كانت زوجته نبيله لا تزال نائمه ، خرج محمد الي المطبخ و اعد لنفسه فنجان من القهوة ثم عاد لزوجته ليوقظها
محمد: نبيله .... بلبله ... صباح الخير يا حبيبتي ، اصحي بقي بلاش كسل
نبيله بكسل: صباح النور يا محمد ، هي الساعه كام دلوقت
محمد: الساعه 7 يلا قومي بقي
نبيله: طيب .... ثواني و هاقوم احضرلك الفطار
محمد: لأ فطار ايه ، انا هافطر معاكي لما نرجع من المركز
فاتبهت نبيله و بدا عليها الحزن و قالت: محمد انا مش عايزه اروح انا تعبت بجد ، علشان خاطري ....
فوضع محمد يده علي فمها حتي لا تكمل كلامها ثم احتضنها بحنان قائلا: يا حبيبتي انتي اخدتي كورس العلاج زي ما الدكتور قال بالضبط و النهارده ميعاد العمليه ، لازم نتفاءل خير عشان ربنا يكرمنا
فبكت نبيله و قالت: انا بقالي 11 سنه مستنيه ، و خمس عمليات اطفال انابيب ، و مفيش فايده ، الاسهل انك تتجوز غيري
محمد بنفاذ صبر: نبيله... مش هانفتح الموضوع ده تاني ، قولتلك اكتر من مره انا عايز ولادي منك انتي وبس مش من غيرك ثم تنهد قائلا: خلاص ، اوعدك المره دي هاتكون أخر مره و لو مانجحتش مش هانكررها تاني ، و انا كفايه عليا وجودك معايا ..... حبيبتي و مراتي و اختي و بنتي و كل اللي ليا ، ربنا يخليكي ليا يا رب ثم مسح بيده دموعها و قال: يلا بقي عشان نروح في ميعادنا

******
وصل الزوجان الي مركز اطفال الانابيب الكائن بأحد مباني ميدان التحرير و تم تجهيز نبيله للعمليه
خرج الدكتور بعد حوالي نصف ساعه من غرفة العمليات و قال لمحمد: اطمن يا استاذ محمد انا متفاءل المره دي البويضات حجمها مناسب جدا و عددها 6 يعني فرصه الحمل اكبر من الخمس مرات السابقه عموما زي ما انت عارف المدام هاترتاح لمده ساعه و تقدروا تروحوا بعدها
محمد: متشكرين اوي يا دكتور ، ربنا يطمنك
و دخل محمد ليطمئن علي نبيله بعد العمليه و كان يؤلمه كثيرا منظرها بعد كل عمليه لما كانت تسببه لها من الام امسك بيدها و مسح برفق علي جبينها و قال: حمدلله علي السلامه يا بلبل ، الدكتور طمني و قال ان المره دي الامل كبير و فرصه الحمل نسبتها عاليه ، يعني شدي حيلك كده و اطمني فأومأت نبيله براسها موافقه علي كلام محمد بدون ان ترد
و بعد مضي الساعه كانت نبيله قد تحسنت غادرا المركز و توجها الي منزلهما

*******
مرت الايام الخمس التاليه لذلك اليوم بخير و جاءهما اتصال من المركز يؤكد ان 4 من الاجنه نجح نموهم و بصوره جيده و اكدوا عليهم بحضور نبيله الي المركز يوم 19 لنقل الاجنه الاربعه

*******
ذهبت نبيله بصحبه محمد الي المركز و تمت عمليه نقل الاجنه بسلام ، علي ان يعودوا مره اخري بعد مرور اسبوعين لاخذ عينه دم و تحليلها لمعرفه اذا كان هناك حمل ام لا

*******
و عادوا بعد ذلك اليوم الي روتينهم اليومي بذهاب محمد الي عمله باكرا كل يوم و عودته في 3 عصرا
و مرور يوم نبيله ما بين القيام بمطالب البيت و بين مشاهده التلفاز
الي ان جاء يوم 25 من يناير
و كعادتها بعد الافطار انهت اعداد طعام الغداء ، ثم ذهبت لمشاهده التليفزيون
و لم تصدق ما راته عيناها علي شاشته
تجمع الاف الاشخاص في ميدان التحرير يطالبون باسقاط النظام و حل مجلسي الشعب و الشوري و بالحريه و العداله الاجتماعيه
نادت محمد (الذي كان في عطله رسميه من العمل) لكي يشاهد معها ما لم يخطر علي بال احد
و كانت تلك عناوين الاخبار في جميع الفضاءيات:
- بدء مظاهرات ومسيرات جماهيرية في مصر معادية للنظام تطالب بالتغيير في ما أطلق عليه “يوم غضب” بمشاركة آلاف الأشخاص
- سقوط أربعة قتلى ، أحدهم من رجال الأمن في مصادمات بين المتظاهرين وقوات الأمن

*******
وعاد محمد في اليوم التالي للمظاهرات الي عمله وسط مناقشات حاده من زملائه ما بين مؤيد و معارض لما يحدث داخل ميدان التحرير من مظاهرات
اما نبيله فقد استولت علي كل اهتمامها اخبار الثوره و احوال المتظاهرين ، و تمنت كثيرا لو استطاعت ان تشاركهم فيها
و مضي الحال هكذا الي ان جاء يوم جمعة الغضب و ما حدث فيها من مهازل و تجاوزات و اشتباكات بين عناصر الشرطه و المتظاهرين بجميع المحافظات
و احراق لمراكز الشرطه و مقار الحزب الوطني بعدد من المحافظات
و بدء ظهور الجيش و القوات الخاصه
و سقوط شهداء و جرحي في محافظات اخري
 عندها قررت نبيله الا تكتفي بالفرجه من بعيد و اعلنت لمحمد رغبتها في المشاركه مع المتظاهرين بميدان التحرير
محمد: بتقولي ايه يا نبيله .... انتي اتجننتي ، تروحي ازاي و العمليه و الحمل اللي منتظرينه
انتي مش سمعتي الدكتور بيقول ان المره دي فرصه الحمل كبيره
ردت نبيله صارخه: و فرصه ابني يا محمد في انه يعيش حياه كريمه اد ايه ؟؟؟
فرصته في انه مايبقاش زي اخويا _اللي اخد بكالوريوس علوم قسم Nuclear physics و ملقاش شغل و في الاخر اشتغل سواق علي ميكروباص ..._ اد ايه ؟
فرصته في انه ما يحصلوش اللي حصل لاخوك لما اتقبض عليه في نص الليل عشان بس ربي دقنه و صلي في مسجد متراقب..... اد ايه ؟
فرصته انه مايموتش زي خالتي بالcancer او زي عمتك بالفشل الكلوي اد ايه يا محمد ؟.... اد ايه ؟
اجابها محمد مقتنعا بكل ما قالته: خلاص يا نبيله هانروح ميدان التحرير بس بشرط نرجع وقت النوم عشان ترتاحي
قالت بفرحه: ماشي يا محمد موافقه و ايه رأيك كمان لو ناخد معانا اكل و شرب للي بيباتوا هناك
محمد: فكره حلوه زيك يا بلبل
ان شاء الله ربنا يجازيكي بيها خير
و بدأت مرحله جديده من حياه محمد و نبيله لا مكان فيها للسلبيه او الخوف او التخاذل
استمرت نبيله باعداد و شراء طعام و شراب للمتظاهرين و الخروج مع محمد صباحا و هو متوجه الي عمله
يذهب هو للعمل و تذهب نبيله الي الميدان بالطعام و الشراب و تنتظر خروج محمد من العمل فيضوا يومهم كله بالميدان تضامنا مع المتظاهرين
و في اخر الليل يعودوا الي منزلهم و ذلك كل يوم
الي ان مر الاسبوعان و جاء موعد تحليل الدم
وكان ذلك يوم الاربعاء الثاني من فبراير
اصطحب محمد نبيله الي مركز اطفال الانابيب بالميدان قبل ذهابه الي عمله لاجراء التحليل
و لم يستطع ايا منهما ان يداري خوفه او قلقه من تكرار الفشل كما حدث في المرات السابقه
اخذ الطبيب عينه الدم و اخبرهما ان موعد النتيجه بعد ساعه من الان
خرجا من المركز و طلبت نبيله من محمد ان يحضر هو التحليل بعد خروجه من العمل (حتي لا تتلقي هي صدمه النتيجه) علي ان تنتظره في الميدان كما يفعلا كل يوم
خرج محمد من عمله و وجد صعوبه في المواصلات و استغرق حوالي الساعه ليصل الي ميدان التحرير فوجد حركه غير عاديه اكثر من اي يوم
توجه مباشره الي المركز ليأخذ النتيجه و استلم الظرف مغلق و قبل ان يسال الطبيب عن نتيجه التحليل سمع حديث بعض التواجدين بالمركز عن غرابه ما حدث منذ قليل من اقتحام الجمال و الخيول للميدان و سقوط بعض الشهداء و الجرحي تحت اقدامهم قبل ان يسيطر الجيش علي الوضع
فهرول مسرعا الي داخل الميدان باحثا عن نبيله في مكانهما المعتاد و قلقه عليها يكاد يقتله
وصل اليه و لكنه لم يجد نبيله و وجد اثار دماء كثيره في معظم انحاء الميدان و بعض المصابين
سأل بعض من كانوا يجاورونهم في المكان عن نبيله و يكاد لسانه لا يستطيع النطق بالكلمات
فأجابه بعض المتواجدين ان هناك امراة توفت و جرحي تم نقلهم الي مستشفيات القصر العيني و الهلال و احمد ماهر
جري محمد كمن ذهب عقله الي اول مستشفي و اخد يبحث بين القتلي و الحرجي فلم يجدها بينهم
فذهب الي الاخري فقال له مسؤل الاستعلامات ان المرأه المتوفيه عندهم في ثلاجه المشرحه بانتظار تعرف احد من اهلها عليها و طلب منه الذهاب معه ليراها
مشي محمد بخطوات بطيئه تتسارع دقات قلبه و لا تكاد قدميه ان تحملانه
و اثناء سيره مر علي احدي الغرف فسمع صوت نداء وهين :
محمد ..... محمد.....
فلم يكد محمد ان يصدق اذنيه
يا الهي انه صوت نبيله نعم انه صوتها
فالتفت باتجاه الصوت فوجدها ممده علي احدي السرائر بالحجره
و لم يكد يراها حتي اجهش ببكاء شديد و ضحك في اان واحد و امطرها بوابل من الاحضان و القبلات
و هي تحاول ان تهدأ من روعه و تطمئنه الي انها بخير و ليس بها سوي كدمه بسيطه و تمزق اربطه باحد ذراعيها
ثم سألته عن التحليل و كان قد نسي امره تماما
فاخرجه من جيبه و قال لها: يا نبيله انتي اغلي عندي من اي حاجه في الدنيا ، انا كنت ممكن اموت لو كان جرالك حاجه
نبيله: التحليل طلع سلبي برضه ، مش كده
محمد: لأ يا حبيبتي انا حتي ملحقتش اسأل الدكتور عليه
و عندها مر احد الطباء ليطمئن علي نبيله و يكتب لها علي الخروج
فأعطاه محمد نتيجه التحليل و طلب منه اخبارهما عما به
قرأها الطبيب ثم قال مبتسما: مبروك المدام حامل

لا يستطيع اي قلم ان يصف كيف كانت فرحة محمد و نبيله بعد سماع هذه الجمله التي تطلب سماعها انتظارهما 11 عاما

فليأتي الان ابنهم او ابنتهم فلم يعودا يخشيان عليه من العيش دون كرامه ..... علي ارض الكرامه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق